مجتهد الأنبار
تعد مدينة هيت المطلّة على نهر الفرات من أقدم المدن في العالم، وفيها اُنشئت النواعير بطريقة فنية لغرض رفع المياه من النهر الى الأراضي الزراعية والبساتين.
المدينة فيها أيضاً مسجد تأسس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب، بينما قلعتها؛ فجذورها تمتد الى أكثر من ثلاثة آلاف عام وما زالت مسكونة يتوارثها الأبناء عن الآباء والاجداد.
وحين النظر إلى المناطق القريبة من هيت، نرى عيون الكبريت وعيون القير الذي استخدمه أبناء سومر في بناء زقورتهم، وهذه العيون تنتظر اليد للاهتمام بها لتكون رمزاً سياحياً ومشفى لعلاج الأمراض الجلدية.
وتحتوي المدينة أيضاً على الكثير من مقالع الحجارة، لذلك أُنشئت فيها العديد من المعامل التي يعمل بها معظم سكان المدينة حيث يعملون في تقطيعها ونحتها لتزيين الأبنية.
وتحد المدينة من الجهة الجنوبية مدينة الرمادي التي تبعد عنها مسافة تقدر بسبعين كيلومتراً، وتبعد عن العاصمة بغداد 190كم.
وعن قلعة هيت، فقد بقيت بحسب مختصين بالتاريخ، حتى ستينيات القرن العشرين من المعالم التاريخية، لكونها ظلت محتفظة بشكلها ونسيجها الحضري، وآهلة بالسكان الى أن بدأ بعض أبنائها بهجر دورهم لأسباب عدة منها ضيق القلعة.
وشُيدت بيوت القلعة من الصخور المنحوتة وتكثر فيها الغرف المتداخلة مع بعضها، ويكاد اكثرها يكون خالياً من النوافذ، إلا من فتحات في أعلى السقف تعرف بالسوامة كونها المنفذ الوحيد الذي يرى من خلاله أهل الدار السماء، ومنها يدخل ضوء الشمس والقمر وهي مصدر تجدد الهواء.
وتعتمد بعض المناطق الزراعية في هيت على الناعور، التي جمعها نواعير، وهي واسطة لرفع المياه من مجرى النهر الى الأراضي المحاذية عندما تكون أعلى من مستوى النهر، والناعور يدور على نفسه بفعل دفع المياه، وينقل المياه بأوان فخارية خاصة مربوطة بأضلاع الناعور الى ساقية عالية تنحدر تدريجياً لكي ينساب الماء فيها وتروي الأراضي.
وتستعين مدن محافظة الأنبار هيت والبغدادي وحديثة وعنة وراوة وحصيبة بالنواعير بطريقة فريدة من نوعها لنقل الماء من الفرات بهدف الارواء.
وأوضح أحد أبناء المدينة لمنصة "مجتهد الأنبار"، أن "الناعور يصنع من خشب التوت على شكل دائرة قطرها نحو 10 أمتار ،وتوزع عليها نحو 30 عوداً لتصبح بشكل عجلة يركّب عليها 24 دلواً".
وعانت هيت الكثير من احتلال عصابات داعش الإرهابية وبقيت تحت سيطرة الإرهاب لأكثر من عامين، عاثت فيه شتى صنوف الإرهاب والإجرام، وعند تحريرها منتصف العام 2016 كانت عبارة عن مدينة أشباح.
وبالرغم من الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة، إلا أن الحياة دبت فيها من جديد بفضل سواعد الأجهزة الأمنية وأبنائها وسعيهم للتمسك بالحياة وإعادة الازدهار لمدينتهم وتاريخها الممتد لآلاف السنين، وما زالوا يجدّون في ترميم ما تدمر من مدينتهم الجميلة لتعود مزدهرة كسابق عهدها.