×

أخر الأخبار

محمد الحلبوسي… حين أعاد السنة إلى خيمة الدولة

  • اليوم, 15:03
  • 2 مشاهدة

 مؤمن طارق/ ماجستير علوم سياسية/ جامعة بغداد 

منذ التغيير السياسي في العراق عام 2003 واجه المكون السني واحدة من أعقد الأزمات البنيوية في تاريخه المعاصر، حيث تعرّض لاهتزازات عميقة على مستوى الهوية السياسية والارتباط بمفهوم الدولة. قادة السنّة من الجيل الأول، الذين تصدّروا المشهد عقب سقوط النظام، أخفقوا في بلورة مشروع وطني متماسك. فبدلاً من الانخراط في عملية بناء الدولة اتخذوا موقف الخصومة منها، وتبنّوا خطاب المعارضة المتشنجة أو التحالفات الظرفية التي لم تحقّق استقراراً سياسياً ولا مكاسب حقيقية للمكوّن.
هذا الأداء الانفعالي أنتج بيئة مضطربة عزّزت التشرذم السياسي وساهمت في إضعاف تمثيل السنّة داخل مؤسسات الدولة وأدّت تدريجياً إلى تصاعد مشاعر التهميش والإقصاء. وبمرور الوقت، تحولت بعض المناطق السنية إلى بيئة خصبة للفوضى والتمرد حتى وجدت الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش فرصةً للتمدد داخل هذا الفراغ، مستثمرةً فقدان الثقة بين المجتمع السني والدولة
غير أن هذه المعادلة بدأت بالتغير جذرياً مع صعود محمد الحلبوسي إلى رئاسة مجلس النواب عام 2018. الرجل جاء من بيئة مختلفة سياسياً ومزاجاً ولم يحمل إرث الشعارات الماضوية أو موقف المعارضة الدائمة، بل تبنّى خطاباً عقلانياً يستند إلى الشراكة لا المظلومية والاندماج لا التخاصم. والأهم أنه تسلّم مهامه في لحظة حرجة حيث كانت المدن السنية خارجة من حرب مدمّرة، والمجتمع السني مثقل بتركة النزوح والخراب ويعيش حالة تهديد وجودي شاملة.
في هذا السياق أطلق الحلبوسي مشروعاً سياسياً هادئاً لكنه فعّال هدفه إعادة ربط المكوّن السني بمشروع الدولة العراقية الحديثة. استعادت مدن الأنبار وصلاح الدين والموصل شيئاً من عافيتها السياسية والخدمية وبدأت السلطة التشريعية تعبّر فعلياً عن تمثيل حقيقي للشارع السني لا تمثيلاً رمزياً أو فوضوياً .
وفي مقابل قادة الجيل الأول الذين تعاملوا مع الدولة كغريب قدّم الحلبوسي نموذج “السياسي المُنتِج” لا السياسي المُستنزِف. شرعيته لم تُبنَ على الشعارات أو الاستقطاب الطائفي بل على نتائج ملموسة وإدارة سياسية واقعية. 
لقد نجح في تحويل المكون من بيئة خصومة إلى بيئة حاضنة للدولة وهذا تحول استراتيجي لا يُستهان به.
إن الحلبوسي يمثل اليوم “العقل السياسي السني الجديد” الذي يراهن على المؤسسات لا على الولاءات الفرعية وعلى الدولة لا على الفوضى وعلى الشراكة لا التصادم. 
وهو بذلك تجاوز الطابع الهوياتي في العمل السياسي السني وانتقل به إلى أفق الدولة الوطنية.
ومن هنا فإن على قوى الإطار التنسيقي بوصفها الكتلة المهيمنة في البيت السياسي الشيعي أن لا تنظر إلى الحلبوسي كشخص بل كتحول بنيوي في المزاج السياسي السني وممثل شرعي لأغلبية هذا المكون. 
إن أي محاولة لتقزيم هذا الدور أو تهميشه لا تعني فقط استهداف الحلبوسي بل ضرب التوازن الدقيق الذي أعيد بناؤه بصعوبة بين المكون السني ومؤسسات الدولة.
إن الحلبوسي هو أول زعيم سني بعد 2003 استطاع أن يجمع بين شرعية التمثيل الشعبي وشرعية الدولة دون أن يصطدم بأيٍّ منهما وهذا بحد ذاته إنجاز سياسي لا بد من دعمه لأنه يقدّم نموذجاً نادراً في عراق ما بعد الانقسام حيث تكون الدولة هي المظلّة العليا للجميع لا أداة لتصفية الحسابات أو إعادة إنتاج الطائفية.
من هنا، فإن الحفاظ على هذا النموذج وتعزيز استمراريته لا يعدّ مجرد مكسب سياسي للحلبوسي أو لفريقه بل ضرورة استراتيجية لضمان استمرار عودة السنة إلى خيمة الدولة تلك الخيمة التي إن انهارت لن تبقي لنا جميعاً سقفاً نحتمي به.
وباختصار من لا يرى في محمد الحلبوسي مشروعاً  استراتيجياً لإعادة دمج السنة في الدولة فهو لا يدرك طبيعة التحول العراقي الراهن ولا يقرأ كيف تبنى الدول بعد الحروب والانقسامات.