تعد الأنبار بشعبها وعشائرها الكريمة صمام الأمان الحقيقي للعراق والمنطقة لامتلاكها مقومات الصمود والنهوض لا سيما أن الأصالة والمعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية متجذرة في ضمائر أهلها، وإذا استدعيت التاريخ قليلا ستجد علامات فارقة على طريق مسيرتها، ومنارات بارزة لذكر أهلها وزعمائها الأصلاء؛ فهم الذين استعان بهم القائد العظيم الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه عندما أقدم على تحرير العراق والمدائن من الفرس وهزم كسرها، فكانت الأنبار هي البوابة لتحرير العراق.
ومنها انطلقت في العصر الحديث شرارة المقاومة ضد الاحتلال البريطاني التي بدأت بدير الزور التابعة للأنبار في حينها مرورا برواة وعنه وهيت ثم الرمادي وأبو غريب والموصل؛ لتشكل طلائع المقاومة والعامود الفقري لثورة العشرين التي عجز الاحتلال البريطاني عن أن ينال من أحد قادتها وشيوخ عشائرها (الشيخ صبار المعهود النمراوي الدليمي) إلا بالطائرات ليرتقي شهيدا، ثم اتسعت المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي حتى شملت العراق كله وتكللت بقتل قائد الاحتلال البريطاني لچمن على يد أحد زعماء عشائرها الشيخ (ضاري المحمود الزوبعي الشمري).
وتأكيدا على سفرها الخالد وأصالة أهلها فقد أعلنت الأنبار المقاومة بكل الوسائل الممكنة ضد الاحتلال الأمريكي الإيراني البريطاني عام ٢٠٠٣، وقد اعترف جيش الاحتلال الأمريكي وجورج بوش الإبن بأنهم خسروا ثلث قتلاهم في الأنبار، وقد انهزموا عسكريا في معركة الفلوجة وكان العالم شاهدا على انتصار الفلوجة في معركتها الأولى وقد أُجبرت قوات الاحتلال أن تسلم المدينة مرغمة منكسرة صاغرة إلى أهلها وهم أهل عزة وكرامة شامخين.
وها هي أيادي الشر الخبيثة تنسج خيوط عناكبها البغيضة ومشاريعها الخبيثة من جديد لاستهداف الأنبار وأهلها، وقد أُريد لهذا المخطط أن يُنفذ على أيدي بعض أبنائها ممن غرتهم مناصبهم واستهوتهم ملذاتهم وباعوا ضمائرهم للمحتل الأمريكي والإيراني على حد سواء، همهم المال وهم كانوا وما زالوا نكرات تقلدوا المناصب بالسلاح الميليشياوي في جولة باطل، بعد تهجير وقتل ودمار وإخفاء قسري لآلاف الرجال، فتارة ينشرون ويروجون المخدرات بين شبابها، وأخرى يختبرون صبر عشائرها بمحاولات إفساد شبابها من خلال بناء خمارات وسط أهلها وعوائلهم الكريمة، وتارة أخرى يستقدمون فنانات وعارضات أزياء لإيهام العالم أن الأنبار أصبحت كما يريدون، لكن أهل الأنبار الغيارى ونساءهم الكريمات العفيفات يبقون أهل الأخلاق الفاضلة ولن تنجح محاولات التشويه والإساءة وتزوير الحقائق، وقد خاب وخسئ كل من يحاول الانتقاص من هذه المحافظة.
منذ أن أرغمت أنوف الغزاة في الأنبار لم تتوقف المكائد والدسائس التي تريد السوء بهذه المحافظة الشامخة بتاريخها وأمجادها وحاولوا مرارا استهدافها بشكل مباشر وغير مباشر؛ وكل محاولاتهم كان بفضل الله تعالى مصيرها الفشل.
قبل أيام معدودات دفعت الأنبار من ميزانيتها المالية مبالغ طائلة لحفل غنائي حضره العشرات من الموظفين في أجهزتها الأمنية وميليشياتها مستضيفين بعض شخصيات مواقع التواصل من باقي محافظات العراق الكريمة تتقدمهم نساء للاستعراض، ولا أريد أن أبحث عما يسمى الاحتفال بيوم التحرير ولا شكله الهابط السوقي ولا رسائله التي تعودنا على أنهم يريدون تقديم الأنبار على أنها باعت قيمها وموروثها العشائري، وإنما أركز على ضميرهم الذي مات فكيف لهم أن يحتفلوا وقد أعلن كبيرهم أن مختطفي الصقلاوية والرزازة والقائم والرمادي وغيرهم من محافظات صلاح الدين والموصل وديالى وبغداد بأنهم مغدورون؛ قتلتهم الميليشيات التي هم لها تابعون، ولأوامرها خاضعون ولأجنداتها منفذون، يتنازلون عن أراضي الأنبار لهم دون وجه حق، فهل بعد هذا السقوط والانحدار سيأتي سقوط أخلاقي آخر، أم إنهم تناسوا أن التاريخ لن يرحمهم وسيرميهم في مزبلته؟ ألا يفقهون أن سعيهم الفاسد سيكتب بصفحات سود، ولربما نجد من سيكتب على لوائح قبورهم بدل المرحوم فلان؛ سيُكتب الفاسد الغادر فلان؛ ليكونوا عبرة لمن اعتبر من الأجيال القادمة.
ولذلك أقول لهم بأن الأنبار ستبقى شامخة بأهلها وستنتهي أي مؤامرة وإفساد تستهدفها وتسعى لتشويه سمعتها، وستتحطم خناجر الغدر الفاسدة أمام صلابة أهلها وعزتهم، وستطوى مرحلة هؤلاء بعون الله تعالى ثم بهمة أهلها وقيم وأصالة عشائرها وبعنفوان شبابها الغيارى، ولن ينالوا سوى سواد وجوههم الكالحة (وإن غدا لناظره لقريب).
فوالله ما عز ذو باطل قطّ ولو طلع القمر من جبينه، ولا ذل ذو حق قطّ ولو أصفق العالم عليه.